تابعنا خلال الأسابيع الماضية انتشار فيروس كورونا (COVID-19) الذي صنف مؤخراً كجائحة عالمية تستدعي أخذ الاحتياطات اللازمة. أتى مع هذا المرض الكثير من الضوضاء والمعلومات المغلوطة التي زادت من ذعر الناس أكثر من إفادتهم. لكن السؤال الأهم هو أين هو دور التقنية في مكافحة هذا المرض؟ وبالذات الذكاء الاصطناعي الذي نسمع عنه ليل نهار.
يخطو الذكاء الاصطناعي أولى خطواته في العديد من المجالات، والاكتشاف المبكر للأوبئة هو أحدها. وتوجد العديد من الشركات التي قامت ببناء أنظمة تحاول أن تكشف عن انتشار الأوبئة في العالم مبكراً، ولكن هذه الأنظمة لأنها مازالت في مراحلها الأولية كان لها دور صغير في مكافحة انتشار وباء كورونا المستجد.
في اواخر 2019 وقبل بداية العام الجديد بيومين تنبه نظام HealthMap التابع لمستشفى بوسطن للأطفال لتفشي مرض رئوي مجهول في مقاطعة ووهان الصينية، لكن المسؤولين عن هذا النظام لم يأخذوا التنبيه على محمل الجد إلا بعدها بأيام. ويبدو أن HealthMap لم يكن الوحيد، فشركة BlueDot الكندية لاحظ نفس الشيء، كما أن شركة ثالثة بإسم Metabiota تنبهت لتفشي المرض أيضاً.
قد تغضب وتتساءل عن سبب تأخر الحكومات والجهات العالمية في التصدي لانتشار المرض رغم وجود تنبيهات مبكرة، لأن التصرف المبكر كان سيمنعنا من الوصول إلى حالة الجائحة التي أعلنت عنها منظمة الصحة العالمية قبل فترة.
كيف تعمل هذه الأنظمة؟
تعتمد العديد من هذه الأنظمة على قراءة وتفسير المعلومات من المواقع والشبكات الاجتماعية ومصادر الأخبار الرسمية، وهذا الأمر ينطوي على العديد من المشاكل أهمها “جودة البيانات” ففي الكثير من الأحيان يصعب تقييم مدى جودة البيانات خصوصا على الشبكات الاجتماعية، وهي مشكلة يعاني منها البشر، فما بالكم بالآلات.
يزداد مستوى صعوبة تحليل البيانات كلما زادت التغطية الإعلامية والحديث في الشبكات الاجتماعية. لأننا ندخل وقتها في مرحلة الهرج والمرج، ولهذا تحتاج هذه الأنظمة إلى وجود اشراف انساني يقوم بتقييم النتائج التي وصلت لها، لأن هذه الأنظمة بنت توقعها على “كلام” الناس، لذلك قد يحتاج المشرف البشري للتأكد من مصادره الخاصة مثل المستشفيات والوزارات من أجل التأكد قبل إصدار أي تحذيرات رسمية.
تأخذنا هذه الأسباب إلى التفكير في حلول مستقبلية تساعد العالم كله على مجابهة الأمراض والأوبئة بشكل أفضل عبر توفير بيانات ذات جودة عالية لأنظمة الذكاء الاصطناعي، ولعل أفضل مصدر لهذه البيانات هو “المستشفيات”.
فالمستشفى هي المكان الأول الذي سيتوجه له أي مريض في أي دولة حول العالم من أجل الحصول على العلاج، وفي حالة فيروس كورونا المستجد فمن المؤكد أن نسبة كثيرة من المصابين توجهت إلى المستشفيات من أجل الحصول على العلاج، لذلك فإن المستشفى قد تكون المصدر الأفضل والأدق للحصول على البيانات بشكل مبكر، لكن هذه معضلة في حد ذاتها.
مصدر بيانات موثوق حول كورونا
تكمن المشكلة في صعوبة الوصول السريع لبيانات المستشفيات في توفرها بشكل مفتوح، فكل مستشفى تعمل بنظام مختلف عن الاخر، وبيانات المرضى موزعة على العديد من المستشفيات لكن بشكل مغلق ومنعزل عن الآخر، ورغم وجود فكرة السجل الصحي الإلكتروني (EHR) منذ فترة طويلة إلا أن تطبيقه لم يتم إلا على نطاق محدود، وفي بعض الدول.
يدرك الكل أننا نعيش عصر البيانات، وتوفر البيانات الدقيقة بشكل أسرع يعني سرعة التحليل والمساعدة على اتخاذ القرار، وهذه كانت المشكلة مع تفشي فيروس كورونا المتسجد، فلأن العديد من شركات الذكاء الاصطناعي تعتمد على الشبكات الإجتماعية وبعض المصادر الاخرى مثل الصحف، فإن نسبة الدقة لا تقارن بدقة البيانات لو أتت من المستشفيات.
لكننا لو أتحنا الوصول إلى البيانات بشكل مباشر إلى هذه الشركات فإن ذلك قد يترتب عليه بعض المشاكل والخروقات للخصوصية، وهذا يعني أننا نحتاج إلى وضع تشريعات لمثل هذه الأمور، ولأن التشريعات لا تساير التقنية في السرعة فإن الأمر سأخذ وقتاً طويلاً.
الأفضل لو قامت جهة حكومية مثل وزارة الصحة بتبني ربط جميع المستشفيات لتصب بيانات المرضى في مخزن بيانات واحد تابع للحكومة. وفي نفس الوقت يتاح للشركات التي تريد الإستفادة من هذه البيانات دفع مبالغ معينة على شكل اشتراكات، والالتزام ببعض القيود. مثل منع نقل البيانات خارج البلد، وهي قيود ستجبر الشركات على بناء كل شيء محلياً مما سيسهم في بناء منظومة تقنية صحية محلية وخلق سوق وظائف جديدة أيضاً.
ولو عدنا إلى فيروس كورونا، فلو كانت هناك أنظمة تقرأ بيانات جميع المستشفيات بشكل لحظي فسوف يتم تنبيه الوزارة وكل المستشفيات عن ظهور وباء جديد بأعرض معينة، وهذا التنبيه سيذهب إلى بعض الأطباء من أجل تحليل الموقف ووضع الإجراءات المناسبة، وفرق الحجر ستتوجه إلى الأماكن التي يظهر فيها الوباء، والمطارات ستقوم بفحص القادمين من أماكن ظهور المرض، وكل هذه السيناريوهات ستحدث مبكراً جداً وبدل أن يصاب عشرات الآلاف من الناس بالعدوى قد يقل الضرر إلى المئات أو العشرات فقط.
عودة إلى الذكاء الاصطناعي، يجب أن نعرف أن الذكاء الاصطناعي يعتمد في المقام الأول على البيانات، ودقة البيانات ومصدرها مهم جداً للقيام بالعمل بأكبر كفاءة ممكنة، لأن الأمر أشبه بتعليم طفل صغير، فلو كنت تلقن الطفل معلومات مغلوطة سوف ينشئ على هذه المعلومات المغلوطة ويتخذ قرارته بناءاً عليها، والذكاء الاصطناعي مثل الطفل، لذلك يجب تزويده ببيانات صحيحة لنستفيد منه بشكل أفضل، ولكن ضمن الحدود التي نضعها كي لا يساء استغلال هذه البيانات.
اكتشاف المزيد من
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.